بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله واله وصخبه ومن والاه
الهجرة النبوية وعبقرية الحدث
إخوانى وأخواتى الاعزاء
اعضاء منتدانا الغالى
الهجرة النبوية وعبقرية الحَدَث
تحل مناسبة من المناسبات الإسلامية المتوهجة مثل الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة، أو غزوة بدر، أو فتح مكة، فيشحذ الكُتَّاب أقلامهم، ويكتبون عن هذه الأحداث الجليلة، مبرزين ما فيها من مظاهر الجلال والعظمة، مستخلصين منها ما تعكسه من دروسٍ وعبرٍ وقيمٍ أخلاقية، ونفسية، واجتماعية، وإنسانية.
ونحن- بلا شك- أحوج ما نكون إلى مثل هذه الكتابات، ومعالجة هذه الأحداث العظيمة بصورة تشد الشباب المسلم إلى تحقيق أنبل الأهداف وأسمى الغايات.
غير أن هناك أمرًا استوقفني في أغلب ما كُتب من مقالاتٍ عن هذه الأحداث في المجلات، والصحف السيارة، وأعني به الحكم بأنه "أعظم حدث في تاريخ الإسلام والمسلمين. بل تاريخ الإنسانية جمعاء.. ولولا الهجرة لكان كذا .. وكذا .." وتأتي ذكرى "بدر" و"الخندق" و"فتح مكة" فيخلع الكُتَّاب في مقالاتهم الحكم نفسه على كل واحدةٍ من هذه الوقائع، فيكرر وصف كلٍّ منها بأنها "أعظم حدث في تاريخ الإسلام... إلخ" وهذا "الحكم الواحد" وراءه- ولا شك- حسن نية وحماسة للإسلام متدفقة.
ولكن هذا الشعور- مهما بلغ من التوهج- يضع الكاتب في مواجهة، بل معارضة غير موفقة مع أولياتِ المنهج العلمي السديد: "فأفعال التفضيل" في الحكم السابق الذي يجعل من الحدث أعظم أحداث التاريخ يفيد الإطلاق في التفضيل، ويفيد "الاستغراق" بالنسبة للمفضل عليه، وكل ذلك لا يسمح لحدثٍ آخر بالاشتراك مع الحدث المحكوم عليه في "الأعظمية والتفرد".
وهذا المسلك- من ناحيةٍ أخرى مع افتراض حسن النية في الكاتب- يُعدُّ جنايةً على "التاريخ الإسلامي"، وتوضيح ذلك يحتاج إلى شيء من التفصيل.
عبقرية الحدث في الإسلام :
الإنسان.. الزمان.. المكان.. الحدث: هذا العناصر الأربعة تتفاعل: تأثرًا وتأثيرًا.. أخذًا وعطاءً.. تشكلاً وتشكيلاً فتصنع "نسيج التاريخ".. وببساطة شديدة يقوم الإنسان "فردًا أو جماعةً" بعملٍ أو بحدثٍ ما، في مكانٍ معين، وزمانٍ محدد، فيصنع بذلك "خيطًا" في "نسيج التاريخ البشري" ومن تضام هذه الخيوط وتلاحمها وتفاعلها يتكون ويتطور النسيج الحضاري الإنساني الذي تسهم في صنعه كل أمة بقدر إمكاناتها وطاقاتها.
والأمة الواعية هي التي تخطط لمسيرتها على أساسٍ من بُعد النظر ، وحسن التقدير ، وقوة الإعداد ، وسلامة التهيؤ، بحيث يكون لكل "خطوة" حسابها ، ولكل عملٍ مكانه وزمانه اللذان لا يغني عنهما غيرهما لهذا العمل.
وفي إيجازٍ شديد نقرر- في يقين- أن كل الوقائع والأحداث التي وقعت في تاريخ النبوة استوفت كل هذه الشرائط فكان ترتيبها وتتابعها- بالأشكال التي ظهرت فيها- عملاً عبقريًّا وراءه توفيق الله سبحانه وتعالى، وباستقراء هذه الوقائع خرجنا بعددٍ من الحقائق تتلخص في ثلاثٍ هي
الحقيقة الأولى: هي مراعاة مقتضى الزمان والمكان: ولننظر مثلاً إلى الوقائع الآتية: تحمُّل أذى الكفار في مكة قبل الهجرة، ونهي النبي- صلى الله عليه وسلم- عن الرد على عدوانهم- الهجرة من مكة إلى المدينة- غزوة بدر- غزوة أحد- غزوة الخندق- صلح الحديبية- رسائله إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام- فتح مكة وتكسير الأصنام.. إلخ.
جاءت هذه الوقائع بهذا الترتيب الزمني التصاعدي، وكل منها أدَّى دوره وأفرز نتائجه الطيبة؛ لأنه جاء في مكانه المناسب، وزمانه المناسب، ويتأكد صدق هذه المقولة لو قمنا بعملية "إحلال" بعضها محل بعضها الآخر: سنفرض أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قبل الهجرة أمر عشرة أو عشرين من أصحابه بالزحف تحت ستار الظلام، وقاموا بتحطيم كل الأصنام التي كانت تدنس بيت الله الحرام.. إننا نستطيع بسهولة أن نتصور النتيجة: قريش ستأخذها العزة بالإثم، وتهب هبة رجل واحد في غضبٍ مسعورٍ لتثأر "لآلهتها" وسيذبح المسلمون- وهم مائة أو مئات- جهارًا نهارًا على رؤوس الأشهاد.
ومن الناحية العقدية- ستزداد قريش إصرارًا على كفرها، ولن تعجز عن استحضار عشرات أو مئات من الأصنام لتأخذ أماكن من جديدٍ في بيت الله الحرام وإذا كان المسلمون- اعتمادًا على هذه الفرضية- قد حطموا الأصنام "الحجرية" فهم لم يحطموا بعد "الأصنام النفسية" فقد كان في قلبِ كل كافرٍ صنم يتمثل في عقيدته الوثنية وكفره وإشراكه.
فليصبر المسلمون إذن، وليصلِّ النبي- صلى الله عليه وسلم- في البيت الحرام، وقد تناثرت فيه الأصنام.. إلى أن حان الوقت المناسب.. فتح مكة.. يوم جاء الحق وزهق الباطل، وحطَّم المسلمون الأصنامَ كلها، ويومها لم يعترض قرشي واحد؛ لأن "الأصنام النفسية" كانت قد تلاشت وتطايرت من قلوبهم.
وفرضية أخرى- نمر بها سريعًا- وهي أن تقع أحد.. قبل بدر، ويكون استهلاك المعارك انكسارًا عسكريًّا يسقط فيه عشرات من خيرةِ المسلمين على رأسهم حمزة بن عبد المطلب- رضي الله عنه- إن هذا الانكسار لو كان هو البداية لزحف العرب جميعًا يساندهم اليهود ومنافقو المدينة للقضاءِ على هذا "المهاجر" الطارئ وأصحابه الفقراء المستضعفين.
ونكتفي بهذين المثالين لتأكيد الحقيقة التي ذكرناها آنفًا، وهي مراعاة مقتضى الزمان والمكان، بتوفيقٍ من الله كبير
والحقيقة الثانية: أن كثيرًا من هذه الوقائع- إن لم يكن أغلبها- كان له أبعاده وملامحه ونتائجه الفارقة، وإن كان هذا الحكم لا يلغي ما بينها من صفاتٍ مشتركة ، وخصوصًا في الهدف الرئيس، وهو القضاء على الكفر وإعلاء كلمة الله، فغزوة بدر مثلاً وقعت في ميدان مفتوحٍ، وحرص النبي- صلى الله عليه وسلم- على أن يكون للمهاجرين دورهم الفعَّال في هذه الموقعة، وكانت نسبة حضورهم أعلى من نسبةِ حضور الانصار "اعتمادًا على الوجود الفعلي لعددِ المهاجرين والأنصار في المدينة".
وقُتل من المشركين في بدر قرابة سبعين، ومن قُتل من هؤلاء على يد علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب فقط يزيد على ثلث هذا العدد، كما ذكر ابن هشام في السيرة النبوية.
والقيمة النفسية والسياسية لهذا الحضور العددي من المهاجرين، والحضورالعسكري الفعال المنتج نسف مقولة المشركين والمنافقين واليهود بأن المسلمين ما هاجروا إلى المدينة إلا للاحتماء والاسترخاء والنجاة، والركون إلى الحياة الوادعة، وكانت بدر شهادةً فعليةً بنصرٍ مبينٍ أحرزته قوة عسكرية منظمة في جيشٍ له كيانه وقيادته.. ووراءه دولة توافرت لها كل أركانها.
ومن الناحية الزمنية جاءت بدر في أنسب مواقيتها، وحققت بالانتصار العسكري في العام الثاني للهجرة ما يُعدُّ ضميمةً لها قيمتها تُضاف إلى قيم أخرى أخلاقية وتشريعية وتربوية كان القائد الأعلى محمد- صلى الله عليه وسلم- يرسيها تدريجيًّا حتى يكتمل بناء الدولة قويًّا راسخًا.
وإذا كانت غزوة بدر التي خرج إليها النبي- صلى الله عليه وسلم- والمسلمون معركة دفاعية عن الإسلام والمسلمين في حقيقتها، وهجومية في ظاهرها التحم فيها المسلمون مع المشركين في مواجهةٍ مباشرة، فإن غزوة كغزوة الخندق كانت عملاً دفاعيًّا أيضًا بكل المقاييس في مواجهة الأحزاب (في شوال سنة 5 هـ) وبإشارةٍ من سلمان الفارسي حفر المسلمون الخندق حول المدينة، ولم يحدث تلاحم بين القوتين باستثناء مبارزة بين علي بن أبي طالب- كرَّم الله وجهه- وعمرو بن عبد ود العامري انتهى بمصرع عمرو الذي اشتهر بقوته وفروسيته وقراعته، وبعد حصارٍ امتدَّ أيامًا انسحبت جيوش الأحزاب من قريش، وغطفان ومن عضدهم منكوسين موكوسين، وفي رأيي أن الكسب الأكبر الذي حققه المسلمون من واقعة الأحزاب هو أنها أدَّت بيقين إلى كشف النوايا والأبعاد النفسية لأعداء الإسلام والمسلمين: فأبانت عن حقيقةِ كثيرٍ من المنافقين، وكشفت عن حقيقة يهود بني قريظة، وقد نقضوا عهدهم مع الرسول- صلى الله عليه وسلم- وساندوا الأحزاب، ومن ثم اتجه الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى تصفيتهم، وأبانت عن أصالةِ معدن الأنصار، وعن قوة إيمانهم، وصدق عقيدتهم، فقد رفضوا، على لسان زعيمهم سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، مصالحة غطفان على ثلث تمر المدينة لترفع غطفان الحصار عنها. وقالا: "والله لا نفعلها أبدًا وقد أعزنا الله بالإسلام، وليس بيننا وبينهم إلا السيف".
وتطرد القاعدة لو رحنا نستقرئ كل الوقائع والأحداث، إذ نجد- كما ذكرنا آنفًا- لكل منها أبعاده وملامحه ونتائجه الفارقة التي تنمُّ على عبقريةِ التخطيط والتدبير، والتطوير مضافًا إلى كل ذلك توفيق الله وتأييده.
وثالثة الحقائق.. وآخرها: أن الحدث في ظاهره- إذا نُظر إليه نظرةً سطحيةً عجلى- قد يحكم عليه بأنه خلو من الكسوبِ والدروس والعبر النافعة مما يجعله- بناءً على هذا الحكم السطحي العجلان- متنافرًا أو نشازًا لا يتسق مع انتظام الواقع الإسلامي في أحداثه المطردة، كالحكم على غزوة أحد بأنها كانت هزيمة للمسلمين، ومظهر الخطأ أو القصور في هذا الحكم يرجع إلى اتسامه بالتعميم؛ لأن معركة أحد كانت تمر بمرحلتين: في الأولى انتصر المسلمون انتصارًا واضحًا، وكان رماة المسلمين يقفون على ثغرةٍ بجبل أحد لحماية ظهور المسلمين بأمر من النبي- صلى الله عليه وسلم- ونهاهم عن ترك موقعهم مهما كانت الظروف، فلما ظهرت بوادر النصر هبطوا من موقعهم طمعًا في الغنائم، وهنا تبدأ المرحلة الثانية حين اقتحم خالد بن الوليد بفرسانه الثغرة الخالية فكانت هزيمة المسلمين.
ومظهر آخر من مظاهر القصور في الحكم يتمثل في الاكتفاء بالتقييم العسكري لغزوة أحد، ويغفل قيمة سياسية واجتماعية كبرى تتمثل في مبدأ الشورى مهما كانت الظروف، وأيًّا كانت النتائج، لقد جاء في السيرة أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يرى التحصن داخل المدينة، ولكنه تخلى عن رأيه مستجيبًا للرأي الآخر الذي يرى الخروج لملاقاة الكفار، فكان ما كان، وفقد النبي- صلى الله عليه وسلم- في المعركة أحب الناس إلى نفسه، وهو حمزة بن عبد المطلب، وجُرِح- عليه السلام- وسال دمه وكسرت رباعيته.
الموضوع منقول ولكن المناقشه والتسلسل المنطقي هو الجديد فيه
ارجو ان يشحذ فينا فكرة الاخذ بالجوهر وليس بالشكليات
وان كانت سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم رائعه شكلا ومضمونا
تقبلوا السلام من مرررجانه
اعضاء منتدانا الغالى
الهجرة النبوية وعبقرية الحَدَث
تحل مناسبة من المناسبات الإسلامية المتوهجة مثل الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة، أو غزوة بدر، أو فتح مكة، فيشحذ الكُتَّاب أقلامهم، ويكتبون عن هذه الأحداث الجليلة، مبرزين ما فيها من مظاهر الجلال والعظمة، مستخلصين منها ما تعكسه من دروسٍ وعبرٍ وقيمٍ أخلاقية، ونفسية، واجتماعية، وإنسانية.
ونحن- بلا شك- أحوج ما نكون إلى مثل هذه الكتابات، ومعالجة هذه الأحداث العظيمة بصورة تشد الشباب المسلم إلى تحقيق أنبل الأهداف وأسمى الغايات.
غير أن هناك أمرًا استوقفني في أغلب ما كُتب من مقالاتٍ عن هذه الأحداث في المجلات، والصحف السيارة، وأعني به الحكم بأنه "أعظم حدث في تاريخ الإسلام والمسلمين. بل تاريخ الإنسانية جمعاء.. ولولا الهجرة لكان كذا .. وكذا .." وتأتي ذكرى "بدر" و"الخندق" و"فتح مكة" فيخلع الكُتَّاب في مقالاتهم الحكم نفسه على كل واحدةٍ من هذه الوقائع، فيكرر وصف كلٍّ منها بأنها "أعظم حدث في تاريخ الإسلام... إلخ" وهذا "الحكم الواحد" وراءه- ولا شك- حسن نية وحماسة للإسلام متدفقة.
ولكن هذا الشعور- مهما بلغ من التوهج- يضع الكاتب في مواجهة، بل معارضة غير موفقة مع أولياتِ المنهج العلمي السديد: "فأفعال التفضيل" في الحكم السابق الذي يجعل من الحدث أعظم أحداث التاريخ يفيد الإطلاق في التفضيل، ويفيد "الاستغراق" بالنسبة للمفضل عليه، وكل ذلك لا يسمح لحدثٍ آخر بالاشتراك مع الحدث المحكوم عليه في "الأعظمية والتفرد".
وهذا المسلك- من ناحيةٍ أخرى مع افتراض حسن النية في الكاتب- يُعدُّ جنايةً على "التاريخ الإسلامي"، وتوضيح ذلك يحتاج إلى شيء من التفصيل.
عبقرية الحدث في الإسلام :
الإنسان.. الزمان.. المكان.. الحدث: هذا العناصر الأربعة تتفاعل: تأثرًا وتأثيرًا.. أخذًا وعطاءً.. تشكلاً وتشكيلاً فتصنع "نسيج التاريخ".. وببساطة شديدة يقوم الإنسان "فردًا أو جماعةً" بعملٍ أو بحدثٍ ما، في مكانٍ معين، وزمانٍ محدد، فيصنع بذلك "خيطًا" في "نسيج التاريخ البشري" ومن تضام هذه الخيوط وتلاحمها وتفاعلها يتكون ويتطور النسيج الحضاري الإنساني الذي تسهم في صنعه كل أمة بقدر إمكاناتها وطاقاتها.
والأمة الواعية هي التي تخطط لمسيرتها على أساسٍ من بُعد النظر ، وحسن التقدير ، وقوة الإعداد ، وسلامة التهيؤ، بحيث يكون لكل "خطوة" حسابها ، ولكل عملٍ مكانه وزمانه اللذان لا يغني عنهما غيرهما لهذا العمل.
وفي إيجازٍ شديد نقرر- في يقين- أن كل الوقائع والأحداث التي وقعت في تاريخ النبوة استوفت كل هذه الشرائط فكان ترتيبها وتتابعها- بالأشكال التي ظهرت فيها- عملاً عبقريًّا وراءه توفيق الله سبحانه وتعالى، وباستقراء هذه الوقائع خرجنا بعددٍ من الحقائق تتلخص في ثلاثٍ هي
الحقيقة الأولى: هي مراعاة مقتضى الزمان والمكان: ولننظر مثلاً إلى الوقائع الآتية: تحمُّل أذى الكفار في مكة قبل الهجرة، ونهي النبي- صلى الله عليه وسلم- عن الرد على عدوانهم- الهجرة من مكة إلى المدينة- غزوة بدر- غزوة أحد- غزوة الخندق- صلح الحديبية- رسائله إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام- فتح مكة وتكسير الأصنام.. إلخ.
جاءت هذه الوقائع بهذا الترتيب الزمني التصاعدي، وكل منها أدَّى دوره وأفرز نتائجه الطيبة؛ لأنه جاء في مكانه المناسب، وزمانه المناسب، ويتأكد صدق هذه المقولة لو قمنا بعملية "إحلال" بعضها محل بعضها الآخر: سنفرض أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قبل الهجرة أمر عشرة أو عشرين من أصحابه بالزحف تحت ستار الظلام، وقاموا بتحطيم كل الأصنام التي كانت تدنس بيت الله الحرام.. إننا نستطيع بسهولة أن نتصور النتيجة: قريش ستأخذها العزة بالإثم، وتهب هبة رجل واحد في غضبٍ مسعورٍ لتثأر "لآلهتها" وسيذبح المسلمون- وهم مائة أو مئات- جهارًا نهارًا على رؤوس الأشهاد.
ومن الناحية العقدية- ستزداد قريش إصرارًا على كفرها، ولن تعجز عن استحضار عشرات أو مئات من الأصنام لتأخذ أماكن من جديدٍ في بيت الله الحرام وإذا كان المسلمون- اعتمادًا على هذه الفرضية- قد حطموا الأصنام "الحجرية" فهم لم يحطموا بعد "الأصنام النفسية" فقد كان في قلبِ كل كافرٍ صنم يتمثل في عقيدته الوثنية وكفره وإشراكه.
فليصبر المسلمون إذن، وليصلِّ النبي- صلى الله عليه وسلم- في البيت الحرام، وقد تناثرت فيه الأصنام.. إلى أن حان الوقت المناسب.. فتح مكة.. يوم جاء الحق وزهق الباطل، وحطَّم المسلمون الأصنامَ كلها، ويومها لم يعترض قرشي واحد؛ لأن "الأصنام النفسية" كانت قد تلاشت وتطايرت من قلوبهم.
وفرضية أخرى- نمر بها سريعًا- وهي أن تقع أحد.. قبل بدر، ويكون استهلاك المعارك انكسارًا عسكريًّا يسقط فيه عشرات من خيرةِ المسلمين على رأسهم حمزة بن عبد المطلب- رضي الله عنه- إن هذا الانكسار لو كان هو البداية لزحف العرب جميعًا يساندهم اليهود ومنافقو المدينة للقضاءِ على هذا "المهاجر" الطارئ وأصحابه الفقراء المستضعفين.
ونكتفي بهذين المثالين لتأكيد الحقيقة التي ذكرناها آنفًا، وهي مراعاة مقتضى الزمان والمكان، بتوفيقٍ من الله كبير
والحقيقة الثانية: أن كثيرًا من هذه الوقائع- إن لم يكن أغلبها- كان له أبعاده وملامحه ونتائجه الفارقة، وإن كان هذا الحكم لا يلغي ما بينها من صفاتٍ مشتركة ، وخصوصًا في الهدف الرئيس، وهو القضاء على الكفر وإعلاء كلمة الله، فغزوة بدر مثلاً وقعت في ميدان مفتوحٍ، وحرص النبي- صلى الله عليه وسلم- على أن يكون للمهاجرين دورهم الفعَّال في هذه الموقعة، وكانت نسبة حضورهم أعلى من نسبةِ حضور الانصار "اعتمادًا على الوجود الفعلي لعددِ المهاجرين والأنصار في المدينة".
وقُتل من المشركين في بدر قرابة سبعين، ومن قُتل من هؤلاء على يد علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب فقط يزيد على ثلث هذا العدد، كما ذكر ابن هشام في السيرة النبوية.
والقيمة النفسية والسياسية لهذا الحضور العددي من المهاجرين، والحضورالعسكري الفعال المنتج نسف مقولة المشركين والمنافقين واليهود بأن المسلمين ما هاجروا إلى المدينة إلا للاحتماء والاسترخاء والنجاة، والركون إلى الحياة الوادعة، وكانت بدر شهادةً فعليةً بنصرٍ مبينٍ أحرزته قوة عسكرية منظمة في جيشٍ له كيانه وقيادته.. ووراءه دولة توافرت لها كل أركانها.
ومن الناحية الزمنية جاءت بدر في أنسب مواقيتها، وحققت بالانتصار العسكري في العام الثاني للهجرة ما يُعدُّ ضميمةً لها قيمتها تُضاف إلى قيم أخرى أخلاقية وتشريعية وتربوية كان القائد الأعلى محمد- صلى الله عليه وسلم- يرسيها تدريجيًّا حتى يكتمل بناء الدولة قويًّا راسخًا.
وإذا كانت غزوة بدر التي خرج إليها النبي- صلى الله عليه وسلم- والمسلمون معركة دفاعية عن الإسلام والمسلمين في حقيقتها، وهجومية في ظاهرها التحم فيها المسلمون مع المشركين في مواجهةٍ مباشرة، فإن غزوة كغزوة الخندق كانت عملاً دفاعيًّا أيضًا بكل المقاييس في مواجهة الأحزاب (في شوال سنة 5 هـ) وبإشارةٍ من سلمان الفارسي حفر المسلمون الخندق حول المدينة، ولم يحدث تلاحم بين القوتين باستثناء مبارزة بين علي بن أبي طالب- كرَّم الله وجهه- وعمرو بن عبد ود العامري انتهى بمصرع عمرو الذي اشتهر بقوته وفروسيته وقراعته، وبعد حصارٍ امتدَّ أيامًا انسحبت جيوش الأحزاب من قريش، وغطفان ومن عضدهم منكوسين موكوسين، وفي رأيي أن الكسب الأكبر الذي حققه المسلمون من واقعة الأحزاب هو أنها أدَّت بيقين إلى كشف النوايا والأبعاد النفسية لأعداء الإسلام والمسلمين: فأبانت عن حقيقةِ كثيرٍ من المنافقين، وكشفت عن حقيقة يهود بني قريظة، وقد نقضوا عهدهم مع الرسول- صلى الله عليه وسلم- وساندوا الأحزاب، ومن ثم اتجه الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى تصفيتهم، وأبانت عن أصالةِ معدن الأنصار، وعن قوة إيمانهم، وصدق عقيدتهم، فقد رفضوا، على لسان زعيمهم سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، مصالحة غطفان على ثلث تمر المدينة لترفع غطفان الحصار عنها. وقالا: "والله لا نفعلها أبدًا وقد أعزنا الله بالإسلام، وليس بيننا وبينهم إلا السيف".
وتطرد القاعدة لو رحنا نستقرئ كل الوقائع والأحداث، إذ نجد- كما ذكرنا آنفًا- لكل منها أبعاده وملامحه ونتائجه الفارقة التي تنمُّ على عبقريةِ التخطيط والتدبير، والتطوير مضافًا إلى كل ذلك توفيق الله وتأييده.
وثالثة الحقائق.. وآخرها: أن الحدث في ظاهره- إذا نُظر إليه نظرةً سطحيةً عجلى- قد يحكم عليه بأنه خلو من الكسوبِ والدروس والعبر النافعة مما يجعله- بناءً على هذا الحكم السطحي العجلان- متنافرًا أو نشازًا لا يتسق مع انتظام الواقع الإسلامي في أحداثه المطردة، كالحكم على غزوة أحد بأنها كانت هزيمة للمسلمين، ومظهر الخطأ أو القصور في هذا الحكم يرجع إلى اتسامه بالتعميم؛ لأن معركة أحد كانت تمر بمرحلتين: في الأولى انتصر المسلمون انتصارًا واضحًا، وكان رماة المسلمين يقفون على ثغرةٍ بجبل أحد لحماية ظهور المسلمين بأمر من النبي- صلى الله عليه وسلم- ونهاهم عن ترك موقعهم مهما كانت الظروف، فلما ظهرت بوادر النصر هبطوا من موقعهم طمعًا في الغنائم، وهنا تبدأ المرحلة الثانية حين اقتحم خالد بن الوليد بفرسانه الثغرة الخالية فكانت هزيمة المسلمين.
ومظهر آخر من مظاهر القصور في الحكم يتمثل في الاكتفاء بالتقييم العسكري لغزوة أحد، ويغفل قيمة سياسية واجتماعية كبرى تتمثل في مبدأ الشورى مهما كانت الظروف، وأيًّا كانت النتائج، لقد جاء في السيرة أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يرى التحصن داخل المدينة، ولكنه تخلى عن رأيه مستجيبًا للرأي الآخر الذي يرى الخروج لملاقاة الكفار، فكان ما كان، وفقد النبي- صلى الله عليه وسلم- في المعركة أحب الناس إلى نفسه، وهو حمزة بن عبد المطلب، وجُرِح- عليه السلام- وسال دمه وكسرت رباعيته.
الموضوع منقول ولكن المناقشه والتسلسل المنطقي هو الجديد فيه
ارجو ان يشحذ فينا فكرة الاخذ بالجوهر وليس بالشكليات
وان كانت سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم رائعه شكلا ومضمونا
تقبلوا السلام من مرررجانه
الإثنين مايو 26, 2014 5:02 am من طرف Abdullah ALLawama
» تلخيص مادة الحاسوب للصف العاشر ف2
السبت أبريل 26, 2014 11:35 pm من طرف Abdullah ALLawama
» ملخص مادة الحاسوب اول ثانوي مستوى ثاني
السبت أبريل 26, 2014 11:31 pm من طرف Abdullah ALLawama
» موقع مدرسة شكري على الفيسبوك الصفحة الرسمية
الثلاثاء ديسمبر 31, 2013 11:32 pm من طرف Abdullah ALLawama
» مواعيد الدوام و تسليم الشهادات
الإثنين يونيو 24, 2013 1:21 am من طرف Abdullah ALLawama
» برمجية التخصصات
الجمعة أكتوبر 14, 2011 2:01 am من طرف ATA.ASMAR
» ظهور نتائج تصنيف العاشر
الأحد سبتمبر 25, 2011 2:45 pm من طرف yousefc47
» دليل طلبة التوجيهي و العاشر للتخصصات الجامعية
الأربعاء أغسطس 03, 2011 6:20 pm من طرف Abdullah ALLawama
» موعد نتائج تصنيف العاشر
الخميس يوليو 21, 2011 4:16 pm من طرف Abdullah ALLawama